ثورة الشواف
ثورة الشواف هو انقلاب عسكري حدث في العراق في مدينة الموصل ضد حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم حينذاك، بقيادة العقيد عبد الوهاب الشواف أمر لواء الموصل في 8 مارس 1959، على أثر قيام منظمة السلام الشيوعية بعقد مؤتمرها في الموصل يوم 6 مارس، في حركة استفزازية للقوميين العرب، وبعد فشل الانقلاب وقعت أحداث مأساوية في المدينة عُرفت بمجزرة الموصل. [9][10][11] أسباب الإنقلابسبب الانقلاب هو نتيجة للصراعات السياسية و المنافسة للوصول للسلطة، فعبد الوهاب الشواف كان قد انضم لحركة الضباط الأحرار في عام 1953 والتي قُدّر لها إزالة النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري في 14 تموز 1958، فكان ينتظر أن يعين بعدها حاكماً عسكرياً عاماً، لكن ألغي تعيينه بأمر من عبد السلام عارف، ونقل آمراً لحامية الموصل، وبدا واضحا أن خلافا كان قد جرى بينه وبين قائدي الثورة قاسم وعارف ثم اشتد الخلاف في مطلع آذار 1959 حين أمر قاسم بعقد (مهرجان أنصار السلام) في الموصل الأمر الذي شكّل تهديدا للجبهة القومية فيها والمتماسكة ضده وضد الحزب الشيوعي، وبالرغم من تحذيرات الشواف وسفره إلى بغداد وتحذيره لعبد الكريم قاسم من مغبة الأمر إن عُقد المهرجان، لكنهُ فشل في إقناع عبد الكريم قاسم، فتمرد عليهِ.[12][13] بداية الانقلاب وفشلهكان البيان الأول لهذا الانقلاب يدعو عبد الكريم قاسم للتخلي عن السلطة، لكن جوبه بالقوة العسكرية، فقد أصدر قاسم أوامره بقصف الحامية ومراكز الانقلاب الأخرى، فقاد الهجوم الطيار خالد سارة قائد السرب وقصف مقر الشواف فجرحه، وعند نقلهِ إلى المستشفى تصدى لهُ أحد الموالين للسلطة فأرداه قتيلاً، وفي رواية أخرى أن الشواف مات منتحراً، وأغلب الروايات المحلية تؤكد سحل جثته في شوارع الموصل والتمثيل بها من قبل عناصر من المقاومة الشعبية، كما ذكر ذلك عدد كبير من شهود عيان، اذ بدأت انتفاضة شيوعية مضادة. وهناك من يقول بأن جثته نقلت إلى بغداد، ودفنت في مقبرة الغزالي.[12] بيان الإنقلاب
النتائجكان يؤيد عبد الكريم قاسم كوادر الحزب الشيوعي العراقي، وقامت بأعمال العنف في الموصل وكركوك على أعقاب حركة العصيان العسكري المسلح التي قادها العقيد عبد الوهاب الشواف والتي أحيل على إثرها الكثير من المشاركين وبضمنهم قائد الفرقة الثانية العميد ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري مؤسس تنظيم الضباط الأحرار ولقد زجهم مع المتهمين في محكمة الثورة المعروفة بمحكمة المهداوي، حيث أعلن الكثير من المتهمين أمام المحكمة التي نقلت مباشرة عبر أجهزة التلفاز بأنهم قد أهينوا أو عذبوا. وصفت قيادات الحركة (محكمة المهداوي) بكونها محكمة "هزيلة"، وكانت تلك المحكمة العسكرية الخاصة العليا تقوم بمحاكمة أركان النظام الملكي. تلك الفترة من تاريخ العراق والتي تسمى بفترة السحل وتدهورت الأوضاع فيها لغاية أن العقيد فاضل المهداوي رئيس المحكمة يعلن أمام وسائل الإعلام عن الزهو بإعدام عبد الوهاب الشواف الذي قتل في غرفته بالمستشفى بعد أن نقل إليها إثر قصف مقره. واعدم رئيس التنظيم العقيد رفعت الحاج سري مع مجموعة من أصحابهِ الضباط أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين ونفذ حكم الإعدام يوم 20 سبتمبر 1959م، في ساحة أم الطبول. مصير المشاركين في الانقلابأُعدم الضباط المشاركين في ثلاث دفعات: الدفعة الاولى، الطيارينأُعدام أربعة من الطيارين المشاركين في الإنقلاب بتاريخ 5 نيسان 1959 بساحة ام الطبول وهم :
أما الطيار صائب الصافي فقد استطاع الهرب ولكنه انتحر على الحدود السورية العراقية في 9 آذار 1959.[16] الدفعة الثانيةأُعدام خمسة من الضباط المشاركين ضمن الدفعة الثانية بتاريخ 25 آب 1959 بساحة أم الطبول، وهم؛
وكان من ضمنهم مدني وهو القيادي البعثي يدعى فاضل الشگرة، الذي أُعدم شنقا حتى الموت في سجن بغداد المركزي.[17] الدفعة الثالثةأُعدم 13 ضابط ضمن الدفعة الثالثة بتاريخ 20 أيلول 1959 بساحة أم الطبول، وهم :
أما البقية فكان مصيرهم إما السجن المؤبد اوبضع سنوات مع الأعمال الشاقة أو الإفراج.[17] دور الجمهورية العربية المتحدةلعبت الجمهورية العربية المتحدة دورا كبيرا في التحضير للإنقلاب فقد زودت الانقلابيين بإذاعة وأسلحة, وعلى الرغم من أن محاولة الإنقلاب كانت مدفوعة بالمشاعر القومية العربية والرغبة في الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة، إلا أن المدى الدقيق لتورط الجمهورية العربية المتحدة في الإنقلاب كان غير واضح إلى حد كافي. ظل الشواف على اتصال وثيق مع الجمهورية العربية المتحدة خلال تطور محاولة الانقلاب، حيث ادعى البعض أن سفير الجمهورية العربية المتحدة في بغداد عمل كوسيط بين الجمهورية العربية المتحدة والمتمردين. هناك أيضًا أدلة تشير إلى أن راديو الموصل كان يبث من الجانب السوري من الحدود[18][19][20][21] وقدر صُدر بعدها كتاب بعنوان "مؤامرة عبد الناصر" في نيسان عام 1959 من الصحفي منير رزوق يكشف فيه أحداث الإنقلاب ودور الجمهورية العربية المتحدة فيه. مجزرة الدملماجةبعد أربعة أيام من فشل انقلاب العقيد الركن عبد الوهاب الشواف اقتيد عدد من الشخصيات الموصلية الثقافية والنقابية والعشائرية والعسكرية وعددهم 18 فردا، بعضهم تم اقتياده من المستشفى وكان جريحاً، وحوكموا في محكمة شيوعية خاصة لهم في مبنى مدرسة الثانوية الشرقية وحكمت عليهم بالإعدام وكان بينهم ثمان من أبناء عشيرة كشمولة التي وقفت مع الحق في ذلك الوقت وعشائر أخرى لها مكانة في الموصل وبعد ذلك نقلوا إلى موقع الدملماجة لتنفيذ حكم الإعدام بهم وهم كما يلي:
ونقلوا تحت حراسة فصيل الدفاع وعدد من أفراد المقاومة الشعبية بقيادة الملازم إبراهيم محمود العباس الملقب بإبراهيم الأسود على شكل أربع مجموعات إلى منطقة شرق قرية نينوى في موقع يسمى (عين ماء الدملماجة) بسيارة شرطة يقودها هاني هيونة. ونظراً للإضاعة الأمر وكشف الجثث في منطقة الدملماجة ولتزايد المطالب الشعبية بالقصاص من القتلة، تم تشكيل المجلس العرفي العسكري الأول ببغداد في تاريخ 26 كانون الأول/ ديسمبر عام 1960 برئاسة الزعيم شمس الدين عبد الله، وعضوية العقيد محمد نافع أحمد، والعقيد عبد الرزاق الجدة، وتم استجواب عدد من الجنود منهم: محمد حسين أبو ركيبة وأحمد صديق ملا بكر ونشأت عطا الله والجندي حسين جلعوط وسامي بشير ومحمود حسين جمعة، وكذلك شهادة عدد من المنتمين للمقاومة الشعبية وهم محمد سعيد أحمد وعبد الله الصفو وفاضل محمد حسين والمفوض طه داود والسيد خضر محمد وعادل خضر وإحسان علي ويونس أحمد ونايف سعيد ومظفر سليم وإحسان علي ومصطفى النعيمي وعزيز قاسم وعلي عيد ونسة عزيز وملكية سعيد وخليل إبراهيم وناجية فتحي وجار الله يونس. ويذكر الشاهد الجندي المتسرح حسين جلعوط تفاصيل المجزرة أمام الهيئة التحقيقية الذي يذكر أنه كان تحت إمرة الملازم مهدي حميد قائلاً: (انتقلنا إلى الثانوية الشرقية وهناك اجتمع بنا الملازم الأول الكردي وخاطبنا بقولهِ: (نحن فصيل الدفاع وهؤلاء الخونة الذين هم في التوقيف قد أمر الزعيم أن نرميهم، وبناء على أمر الزعيم لازم تذهبوا وترموهم وهذا أمر من الزعيم)، حيث أخرج هذا الملازم الكردي 17 شخصاً من غرفة التوقيف وقال خذوهم بمجاميع أربعة أربعة أفضل من أخذهم جميعاً وصعدنا بسيارة الشرطة إلى منطقة الدملماجة وأنزلناهم وبعد مسيرة قصيرة أطلق عليهم الملازم النار من الخلف وأعطى أمر الرمي وفعلاً أطلقنا النار وكنا نسمعهم يقولون: (يا الله يا محمد)، وهكذا استمرت الوجبات ومن ثم تم أمرنا بتغطيتهم بالتراب إخفاءاً للجريمة. تبين من اللجنة التحقيقية المشكلة إن أغلبية الجلادين منتمين للحزب الشيوعي العراقي إضافة إلى عدد من الضباط الأكراد العنصريين حيث أصدرت المحكمة قرارها بتجريمهم والحكم عليهم بالإعدام وفقاً للفقرتين الثانية والثالثة من المادة 214 من قانون العقوبات البغدادي وهم: الرئيس المتقاعد مهدي حميد، وعدنان جلميران، والملازم الاحتياط إبراهيم محمود العباس الملقب إبراهيم الأسود، نائب العريف عزيز أبو بكر، شاكر اللهيبي، محمد عبد اللطيف، هاشم جاسم القصاب، يحيى سلمان أبو ريمة، محمود التمي، هاني مجيد هيونة، نائب العريف غازي خليل محيي الدين، نائب العريف سيدو يوسف، الجندي الأول عز الدين رفيق، الجندي عصمت بيرو، الجندي صالح أحمد يحيي، الجندي جاسم محمد أمين، الجندي رمضان أحمد، الجندي يوسف إبراهيم، الجندي إسماعيل محمد، الجندي أنور درويش يوسف، الجندي عبد محمود يونس، الجندي ميكائيل حسن إسماعيل، الجندي شمعون ملك بكو، الجندي محمد شيت صالح، الجندي علي عمر بابكر، الجندي خضر شمو. وتم أيضا الحكم على المجرمين الهاربين عبد الرحمن القصاب، وعمر الياس، وعادل سفر، وعباس هيالة بالإعدام غياباً، وهم قيادة اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في الموصل. وتم أيضاً الحكم على محمد حامد شخيتم وبولص مراد والنائب الضابط محفوظ يونس، ومتى اسطيفان، وعبدالجبار مال الله بالإعدام. وتم أيضا إصدار قرار طرد الرئيس مهدي حميد من الجيش، وكذا تخفيض عقوبة الإعدام على 10 متهمين إلى الأشغال الشاقة، والحكم على خمسة متهمين بالسجن خمسة أعوام وعقوبات بسيطة أخرى. وأصدر القرار أيضا بتعويض أهالي الشهداء السبعة عشر بمبلغ 25 ألف و 500 دينار ولقد تم حلاقة رأس المحكومين بالإعدام وأغلبهم من المنتمين للشيوعيين وأودعوا في السجن التابع لمبنى وزارة الدفاع في منطقة باب المعظم ريثما يتم تنفيذ أحكام الإعدام، ولكن صادف وجود بعض المحكومين بالإعدام في قضية محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، فأُعلن العفو تحت شعار (عفا الله عما سلف) وأطلق سراح المتهمين بمحاولة اغتياله وكذلك عفي عن مرتكبي مجزرة الدملماجة معهم. وهكذا أعفي الجميع من أحكام الإعدام بقرار من الحكومة في كانون الأول 1961 بما سمي حينها (يوم السلامة الوطنية). وقد علقت صحيفة اتحاد الشعب وهي عن لسان الحزب الشيوعي العراقي، على أحداث الموصل الدامية في عددها الصادر في 13 آذار 1959 والذي نشره الكاتب صلاح الخرسان في كتابهِ (صفحات من تاريخ العراق السياسي الحديث) والذي ورد فيه: (علقت وسحبت جثث المجرمين القتلة في مدن الموصل وقراها وانجلت المعركة فإذا بالعشرات من المجرمين الشرسين العتاة مدنيين وعسكريين صرعى في دورهم أو على قارعة الطريق في الموصل وتلعفر وعقرة وزاخو وفي كل زاوية)، وفي مقال آخر بتاريخ 16 آذار 1959م، نشر ضمن مذكرات العميد الركن المتقاعد جاسم كاظم العزاوي عن حركة 14 تموز 1958 جاء فيهِ: (لنا من الأعمال البطولية في الموصل خبرة وافرة في سحق الخونة، إنَّ مؤامرة الموصل وسحقها وسحل جثث الخونة في الشوارع ستكون درساً قاسياً للمتآمرين وضربة بوجه دعاة القومية)، وهكذا تحول الصراع السياسي إلى صراع دموي واسع النطاق.[22] المصادر
|